مخاطر النقل الذكي- بين الراحة والأمان وقصص حبيبة المؤلمة

المؤلف: سامية علي11.10.2025
مخاطر النقل الذكي- بين الراحة والأمان وقصص حبيبة المؤلمة

في هذا العصر المتسارع بالتطورات التقنية، أضحت التكنولوجيا رفيقًا ملازمًا لنا في كل تفاصيل حياتنا اليومية. لم تعد مجرد إضافة كمالية، بل تحولت إلى جزء جوهري لا يمكن الاستغناء عنه، تقدم لنا حلولًا ذكية للتحديات التي تواجهنا وتمنحنا أساليب معيشة أكثر سهولة ويسرًا.

بدايةً من التطبيقات الذكية على هواتفنا المحمولة التي تسهل علينا تنظيم وإدارة مهامنا اليومية بكفاءة عالية، وصولًا إلى التقنيات المبتكرة التي تسهم في تطوير بيئة العمل وتعزيز الإنتاجية، وتمتد لتشمل التطبيقات التي تساعد العائلات على التواصل والتنسيق فيما بينها بأسلوب فعّال. ومن بين هذه الطفرات التكنولوجية، تظهر وسائل النقل الذكية كحل حيوي وآمن لمعضلة المواصلات وسيارات الأجرة التقليدية في المدن الكبرى.

بفضل تطبيقات مثل "أوبر" و "كريم" و "سويفل"، أصبح بإمكان الأفراد طلب وسيلة نقل بكل سهولة ويسر عبر هواتفهم الذكية، مما يخفف من صعوبات التنقل اليومي ويوفر وسيلة موثوقة وآمنة للوصول إلى مقاصدهم.

علاوة على ذلك، تمنح هذه التطبيقات المستخدمين مجموعة واسعة من الخيارات المتنوعة التي تلبي احتياجاتهم المختلفة، بدءًا من انتقاء نوع السيارة المناسب لهم والتكلفة التي تتوافق مع ميزانيتهم، سواء كانت سيارات اقتصادية أو فاخرة أو حتى شاحنات نقل كبيرة. إضافة إلى ذلك، توفر هذه التطبيقات خيارات دفع مرنة ومتعددة، تشمل الدفع نقدًا أو باستخدام بطاقات الائتمان، مما يغني عن الحاجة إلى المساومة على الأجرة كما هو معتاد في سيارات الأجرة التقليدية.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالأمان يمثل أولوية قصوى للعائلات، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتنقل أبنائهم؛ حيث يتيح لهم تتبع مسار الرحلة خطوة بخطوة حتى نهايتها، مما يمنحهم شعورًا بالأمان والاطمئنان. ومع ذلك، وعلى الرغم من المزايا العديدة التي تقدمها هذه الشركات، إلا أنها لا تخلو من بعض الثغرات، مثل عدم التحقق الدقيق من خلفية السائقين، وهو ما قد لا يضمن سلامة الركاب بشكل كامل.

إضافة إلى ذلك، قد تواجه الركاب بعض المشكلات التقنية أثناء الرحلة، مثل انقطاع الاتصال بالإنترنت أو تعطل التطبيق، مما قد يؤدي إلى تأخير الرحلة أو حتى إلغائها. كما أن التقييمات التي يتلقاها السائقون قد تكون غير دقيقة في بعض الأحيان. وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذها هذه الشركات لضمان سلامة الركاب، إلا أنها لا تستطيع أن تضمن الحماية الكاملة من جميع المخاطر والتحديات المحتملة التي قد تواجههم أثناء الرحلة.

مخاطر يومية

في الأيام القليلة الماضية، اهتزت مصر بخبر وفاة الشابة "حبيبة الشماع"، التي قفزت من إحدى سيارات النقل الذكي التابعة لتطبيق إلكتروني شهير، والتي استقلتها من مقر سكنها في "مدينتي"، بعد أن ساورها الشك في أن السائق كان يحاول اختطافها، كما صرحت لأحد شهود العيان، بعد أن ألقت بنفسها من السيارة على طريق السويس في القاهرة.

وقد جاء في بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية أنه "تم تحديد هوية السائق وضبطه، وهو يقيم في محافظة الجيزة". وبمواجهته، اعترف بأنه قام بإغلاق نوافذ السيارة ورش معطر؛ وعندما فوجئ بقيام الشابة بالقفز من السيارة، استكمل طريقه ولم يتوقف خشية تعرضه للأذى، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضده.

فهل يمكن أن تتحول الرحلات اليومية التي يفترض أنها آمنة إلى مصدر قلق مستمر للأهالي؟

رحلت حبيبة عن عالمنا بعد غيبوبة استمرت 21 يومًا، نتيجة لتدهور حالتها الصحية.

فهل من المنطقي أن تقفز فتاة من سيارة مسرعة لمجرد أن السائق قرر رش بعض المعطر ورفع صوت الموسيقى؟ وهل تعمد السائق تخويفها حتى وإن لم يكن ينوي اختطافها؟

هل كانت لتجازف بحياتها لو لم تكن تشعر بأنها في خطر حقيقي؟ وهل حبيبة الشماع هي الضحية الأولى لشركات النقل الذكي؟

ضحايا متعددون

إن حادثة حبيبة الشماع ليست الأولى من نوعها التي تورطت فيها شركات النقل الذكي، بل سبقتها حوادث مأساوية متعددة أدت إلى منع إحدى الشركات الكبرى من ممارسة نشاطها في العديد من المدن حول العالم لأسباب مختلفة، بعد أن تبين أن سلامة الركاب لم تكن على رأس أولويات هذه الشركات، بل تحقيق الانتشار السريع والأرباح الطائلة.

ومن أبرز هذه الحوادث، حادثتا فيلادلفيا ودلهي. ففي عام 2019، أدين سائق مصري الجنسية في الولايات المتحدة الأميركية، بتهمة اغتصاب امرأة كانت في حالة سكر شديد بعدما استقلت سيارته من كازينو بالقرب من مدينة فيلادلفيا. حيث قام السائق بإطالة مدة الرحلة من 15 دقيقة إلى 53 دقيقة لكي يتمكن من الاعتداء عليها في المقعد الخلفي. وأدين السائق بتهمة اغتصاب امرأة فاقدة للوعي والاعتداء الجنسي عليها.

وفي عام 2015، قضت محكمة هندية بسجن سائق سيارة أجرة مدى الحياة بعد إدانته بتهمة اغتصاب راكبة وترهيبها وتعريض حياتها للخطر، أثناء عودتها إلى منزلها، وتعد هذه العقوبة هي الأشد في قضايا الاغتصاب. وقد تبين بعد إدانته أنه متهم بالاعتداء على نساء أخريات، على الرغم من عدم وجود أي إدانات سابقة بحقه.

وقد أثارت هذه القضية اهتمامًا دوليًا واسعًا، مما دفع المسؤولين في دلهي إلى حظر العديد من شركات سيارات الأجرة الأخرى لعدة أشهر، متهمين إياها بالتقصير في إجراء الفحوصات الكافية للسائقين.

لطالما اعتقدنا أنه مع التطور العلمي والتقني، سيحظى الإنسان بقدر أكبر من الأمان والراحة.

لكننا لا نزال نسمع ونرى كل يوم أحداثًا مفزعة، وحتى البحث عن وسائل المواصلات المريحة لا يحد منها، فهل سنتمكن يومًا من تحقيق الأمان المجتمعي المنشود؟ وهل سيستطيع الإنسان التغلب على الشر الكامن في داخله، وتجاوز رغباته المؤذية التي تدفعه لإيذاء الضعفاء أو حتى محاولة ترويعهم لمجرد إرضاء نزواته المريضة؟

في واقع الأمر.. أشك في ذلك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة